في الأربعينات كانت فرنسا على وشك أن يمزقها الغول الألماني
وحيث أن المغرب كان خاضعا لها فقد ساقت آلاف المغاربة لإطفاء حرائقها وفرضت على
الشعوب المستعمرة مدها بما تحتاج.
حينها كانت قوافل الجمال بالمغرب الوسيلة الوحيدة المتوفرة
لنقل البضائع بين المدن المغربية وكان سكان البوادي رحلا يسكنون الخيام وكنت أنا
طبعا في علم الغيب كما حكت لي الوالدة. سافر الوالد مع إحدى القوافل وترك الأم مع
إخوة صغار وقطيع يقارب العشرين رأسا من الأغنام وبندقية من النوع المستعمل حاليا للتبوريدة.
نام الصغار وبقيت الأم ويدها على الزناد تحرص القطيع تحت الظلام الدامس الذي يلف
البادية ويملأ الأرجاء رهبة. طال الليل وغلب النعاس أجفان المسكينة برهة ثم
استيقظت فوجدت الزريبة فارغة. أصغت فتناها إلى سمعها صوت أقدام القطيع فاتجهت تجري
تارة وتصغي أخرى إلى أن اقتربت وأصبح صوت الأقدام واضحا. إذ ذاك صاحت بأعلى صوتها
يا محمد ها هم ها هم موهمة اللصوص بأنها ليست وحدها وضغطت على الزناد فخرج الشرر
من فوهة البندقية مدويا في جوف الليل كالرعد، فأطلق اللصوص سيقانهم للريح وعادت الأم
بقطيعها.
وها
أنا أقصها بعدما خزنتها طويلا في الذاكرة كما سمعتها منك أيام لم يكن بالمغرب لا
راديو ولا تلفزة وكانت مثل هذه القصص يؤثث أماسينا في انتظار النوم. رحمك الله
أيتها الأم الشجاعة ورحم كل الأمهات البطلات أمثالك.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire