samedi 18 janvier 2014

ذكرى وذكرى وذكر فإن الذكرى

     يوم الإثنين 18 نوفمبر 2013 موافق14 محرم 1435 عادت الذكرى 57 لعيد الاستقلال. ذكرى قد لا تعني شيئا لكثير من المغاربة ولكنها بالنسبة لي تعني الشيء الكثير بأبعادها التاريخية والمصيرية. والسؤال هو كيف ضيعنا استقلالنا حتى أصبحنا نستجديه من محتل جثم على صدر البلاد والعباد زهاء عمر جيل ولم ينفع لاسترجاع ما ضاع منا إلا بتقديم مواكب من الشهداء الأبرار من أبناء الشعب وما قاساه الشعب بأكمله وخصوصا أبطال الأطلس أمثال موحى وحمو الزياني وموحى وسعيد، عسو با سلام، أحمد الحنصالي وأبطال الحواضر منهم الزرقطوني وعلال بن عبد الله واللائحة تطول...
     بالعودة إلى الوراء يجب أن نعرف كلنا أن المغرب ضيع استقلاله مدة طويلة قبل مجيء الاستعمار أيام حلت به نكبة الجهل والتخلف والوهن وتمزقت وثيقة الانتماء لهذا الوطن وهبت ريح القبلية وغابت السلطة المركزية الفعلية بداية القرن الثامن عشر[18]. آن ذاك تحول المغرب الى مخزن وسيبة كما يصفه الأوربيون وانطوت البلاد على نفسها ولفها ظلام النفق الذي دخلت فيه. وأصبح المغربي يقتل أخاه المغربي من أجل سلبه ماله أو لباسه. ويضطر من لا حامي له أن يتنقل بين القبائل شبه عار حتى يفلت من بطش قطاع الطرق. في هذا الصدد يحكي شارل دو فوكو في كتابه استكشاف المغرب [1883ـ1884] أن حكام ذلك الزمن بدل جمع كلمة الشعب والسعي إلى نشر الوعي ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب لإصلاح الأوضاع أصبحوا لا يهمهم من الشعب إلا جمع المكوس والعلف والسمن والعسل والصوف وسلب أموال وأملاك أغنياء القبائل خوفا من تعاظم نفوذهم كما فعل بالدمناتي حيث سجن بجزيرة الصويرة حتى آخر لحظة من حياته. وقطع رؤوس العديد من قبائل السماعلة وإعدام الآخرين بقلعة إغرم لعلام ويحكي أيضا أن البقية الباقية من سكان بني ملال من بلاد المخزن لما جاء وفدها لتقديم الطاعة كان الرد عليهم "على الحاضر أن يؤدي عن الغائب".
      بحلول هذه الذكرى عادت بي الذكرى الى أحداث وادي زم وآيت عمار وأبي الجعد وخريبكة يوم السبت 20 غشت من سنة 1955 وكنت حينها طفلا في قسم التحضيري بمدرسة "دار الدراوش" وما أحدثته من رجة هائلة تحت أقدام فرنسا المتعجرفة التي كانوا يصورونها على هيئة امرأة فارهة جميلة تفتح خزائن ذهبها وتوزعه على الشعوب الفقيرة للمال والمعرفة و"الحضارة". ورجات أخرى بالمدن القريبة والبعيدة هزت هيبة المعمرين من سهول تادلة والمناطق الأخرى. زار المقيم العام الفرنسي مدينة وادي زم، وكانتقام، أعطيت الأوامر لإفراغ المدينة من سكانها وحشرهم على بعد كلومترات شمالا ببيار لحجر في عز الصيف وتطويقهم بالدبابات تمهيدا لمحرقة جماعية في انتظار تنفيذ الإعدام بحضور طاغية فرنسي قادم من مكناس عبر خنيفرة لولا ألطاف رب العالمين وسقوط طائرة الطاغية قبل الوصول.
          وتغنى المغاربة بثورة وادي زم ومما أذكره:
"أيامك أوادي زم را الزناقي تجري بالدم
رحموا بنداود مات مجاهد
وليدك يا زاميط راه في الموزيط
قمحك أزاميط حرقوه لمزاليط "
     وزاميط هذا من أغنياء اليهود الفرنسيين تاجر في الحبوب يكره المغاربة .
     عادت بي الذكرى الى غمرة الاحتفالات احتفالا برحيل المعمر وعودة محمد الخامس حيث كانت الاحتفالات صادقة وعفوية تعبيرا عن شم أنسام الحرية من جديد. وكان على الساحة آنذاك حزبا الشورى والاستقلال بزعامة بن الحسن الوزاني وعلال الفاسي وكان الأطفال يتنافسون على إلقاء الخطب فوق المنصات المنصوبة لهذا الغرض. وفي أول احتفال بعيد الاستقلال حضرت فرقة عسكرية من الرباط بدباباتها لإنزال العلم الفرنسي ورفع العلم المغربي مكانه عرفانا بتضحيات المدينة المجاهدة في جو مهيب. وزار البلدة أول وزير للتربية الوطنية محمد الفاسي بجلبابه الأبيض. وما زلت أتذكر الفرقة العسكرية تعزف النشيد الوطني وتملأ النفس عزة ونشوة التحرير. في عز الفرحة اكتريت دراجة وذهبت مزهوا بنفسي إلى ساحة الكنيسة فما كان من شرطي مغربي إلا وهو يقبض علي ويصفعني قائلا "دين أمك ما صبت فين تجي غير لهنا؟". انا الذي اعتقدت أنه لا خوف بعد اليوم من النصراني.
     وفي سنة1959 تهيئنا بما فيه الكفاية لاجتياز شهادة الدروس الابتدائية والالتحاق بالإعدادي. رموا بنا الى مدينة خريبكة لهذا الامتحان وقضيت الليل عند ناس لا أعرفهم بعدما حكيت لهم مشكلتي. ونجح عدد أكبر مما أرادته الخريطة المدرسية واتهمونا بالغش في الامتحان وانتظرنا دورة أكتوبر فكان نفس عدد الناجحين. فما كان من الوزارة إلا ان أعطتنا المقاعد وحشرتنا في بهو المدرسة قرب المراحيض لقضاء السنة الدراسية. وكان أستاذي السيد صالح بن بيكة ـجزاه الله خيراـ كلما رآني أرتعد من البرد على مقعدي ينزع معطفه ويضعه على أكتافي في تلك الأيام الماطرة التي يتحول الأطلس أثناءها إلى كتلة من الثلج تسومنا سوء العذاب.
      كان أساتذتنا الفرنسيون يحاولون مساعدتنا بدروس الدعم بدون مقابل. وكانوا يقطنون بنزل قرب البحيرة فيعترض البوليس المغربي طريقنا ويرغمنا على الرجوع من حيث أتينا تحت طائلة اتهامنا بتعاطي السياسة.
      وادي زم الغنية بفوسفاطها والفقيرة في جيوب أهلها طالتها يد الجحود. وكم شعرت فيها بالغبن والإحباط والمهانة. غير أن شباب ذلك الوقت كان على وعي كبير بما يحيط به ولم يستسلم لليأس. وكم كان ربيع وادي زم زاهيا بألوانه وأجوائه وكم كدر حلاوته الخوف من البوليس الذي كان يطالبنا بأوراق الراديو ـ إذا توفرـ لسماع الموسيقى بين الحقول.
     تلك نتف من ذكريات حياة طفل قادم من بادية السماعلة طلبا للمعرفة. عايش ثلاثة ملوك: محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس أمد لله في عمره وخلد في الصالحات ذكره. رأى النور في أوج الحرب العالمية الثانية. عاش الرعب أيام الدراسة بثانوية محمد الخامس بالبيضاء وضغوط العمل والخوف على المستقبل بالفترة الممتدة بين أواخر الستينات ونهاية التسعينات. والحمد لله الذي أمد في العمر حتى أكتب هذه السطور وأقول لأبنائي أن المغاربة اليوم بخير وأحسن بكثير مما عاشه آباؤنا وأجدادنا على طريق الارتقاء حيث أصبح المغاربة ينعمون بأشياء لم تكن لتخطر على بال أخصب آبائنا خيالا قبل نصف قرن.
       وادي زم تكمل هذه السنة القرن الأول عن إنشائها حيث احتل المكان إبان الحملة الفرنسية يوم 14\11\1913 بقيادة الكولونيل شارل منجان الملقب بالجزار لما ارتكبه من فظاعات في حق القبائل التي قاومته وفي دشرة البراكسة خصوصا. وانعتقت في 18\11\1956 بفضل تحدي أبناء المغرب من هنا وهناك. ورب ضارة نافعة كما يقول المثل لأنه لو لم تحتل فرنسا المغرب لربما أودت بحياة الكثير من المغاربة الأوبئة والحروب القبلية والتخلف والجهل. لنعرف ذلك وجب علينا أن نعترف أن المغرب قبل احتلاله لم يكن يتوفر على مدرسة عصرية واحدة كما نعرفها اليوم. ولا على متر واحد من الطرق المعبدة أو الهاتف أو خطوط الكهرباء. كان المغرب في شبه غيبوبة والحاكم والمحكوم في الحضيض. فهل يعقل أن يكون أحد الوزراء أن ذاك مخزني أمي؟ لا أمجد الاستعمار ولكنها كلمة حق علينا الاعتراف بها.
     وها قد انطلقنا من جديد لتدارك ما فاتنا، علينا بوحدة الصف والتسلح بالمعرفة ونعتصم بحبل الله جميعا فما ضل من كان الله له مرشدا وراء قائد البلاد الشاب محمد السادس وقد أظهر لكل ذي عين حبه لوطنه ولدينا كل مقومات النهوض من سواعد وبحار وسهول وجبال وعيون وخيرات كثيرة مكنوزة سننعم بها يوم نستكمل وحدتنا الترابية المسلوبة أيام التفريط والتردي. والمرجو أن تخلص النيات وأن يكون الحق والعدل والقانون مظلة كل المغاربة حتى يعرف كل واحد ما له وما عليه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire